فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم قال تعالى: {إِنَّ الذين يَتْلُونَ كتاب الله}.
لما بين العلماء بالله وخشيتهم وكرامتهم بسبب خشيتهم ذكر العالمين بكتاب الله العاملين بما فيه.
وقوله: {يَتْلُونَ كتاب الله} إشارة إلى الذكر.
وقوله تعالى: {وأقاموا الصلاة} إشارة إلى العمل البدني.
وقوله: {وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} إشارة إلى العمل المالي، وفي الآيتين حكمة بالغة، فقوله: {إنما يخشى الله} إشارة إلى عمل القلب، وقوله: {إِنَّ الذين يَتْلُونَ} إشارة إلى عمل اللسان.
وقوله: {وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم} إشارة إلى عمل الجوارح، ثم إن هذه الأشياء الثلاثة متعلقة بجانب تعظيم الله والشفقة على خلقه، لأنا بينا أن من يعظم ملكًا إذا رأى عبدًا من عباده في حاجة يلزمه قضاء حاجته وإن تهاون فيه يخل بالتعظيم، وإلى هذا أشار بقوله: عبدي مرضت فما عدتني، فيقول العبد: كيف تمرض وأنت رب العالمين، فيقول الله مرض عبدي فلان وما زرته ولو زرته لوجدتني عنده، يعني التعظيم متعلق بالشفقة فحيث لا شفقة على خلق الله لا تعظيم لجانب الله.
وقوله تعالى: {سِرًّا وَعَلاَنِيَةً} حث على الإنفاق كيفما يتهيأ، فإن تهيأ سرًا فذاك ونعم وإلا فعلانية ولا يمنعه ظنه أن يكون رياء، فإن ترك الخير مخافة أن يقال فيه إنه مراء عين الرياء ويمكن أن يكون المراد بقوله: {سِرّا} أي صدقة {وَعَلاَنِيَةً} أي زكاة، فإن الإعلان بالزكاة كالإعلان بالفرض وهو مستحب.
وقوله تعالى: {يَرْجُونَ تجارة لَّن تَبُورَ} إشارة إلى الإخلاص، أي ينفقون لا ليقال إنه كريم ولا لشيء من الأشياء غير وجه الله، فإن غير الله بائر والتاجر فيه تجارته بائرة.
{لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)}.
وقوله تعالى: {لِيُوَفّيَهُمْ أُجُورَهُمْ} أي ما يتوقعونه ولو كان أمرًا بالغ الغاية {وَيَزِيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ} أي يعطيهم ما لم يخطر ببالهم عند العمل، ويحتمل أن يكون يزيدهم النظر إليه كما جاء في تفسير الزيادة {إِنَّهُ غَفُورٌ} عند إعطاء الأجور {شَكُورٌ} عند إعطاء الزيادة.
ثم قال تعالى: {والذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الكتاب هُوَ الحق}.
لما بين الأصل الأول وهو وجود الله الواحد بأنواع الدلائل من قوله: {والله الذي أَرْسَلَ الرياح} [فاطر: 9] وقوله: {والله خَلَقَكُمْ} [فاطر: 11] وقوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ} [فاطر: 27] ذكر الأصل الثاني وهو الرسالة، فقال: {والذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الكتاب هُوَ الحق} وأيضًا كأنه قد ذكر أن الذين يتلون كتاب الله يوفيهم الله فقال: {والذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الكتاب هُوَ الحق} تقريرًا لما بين من الأجر والثواب في تلاوة كتاب الله فإنه حق وصدق فتاليه محق ومحقق وفي تفسيرها مسائل:
المسألة الأولى: قوله: {مِّنَ الكتاب} يحتمل أن يكون لابتداء الغاية كما يقال أرسل إلى كتاب من الأمير أو الوالي وعلى هذا فالكتاب بمكن أن يكون المراد منه اللوح المحفوظ يعني الذي أوحينا من اللوح المحفوظ إليك حق، ويمكن أن يكون المراد هو القرآن يعني الإرشاد والتبيين الذي أوحينا إليك من القرآن ويحتمل أن يكون للبيان كما يقال أرسل إلى فلان من الثياب والقماش جملة.
المسألة الثانية: قوله: {هُوَ الحق} آكد من قول القائل الذي أوحينا إليك حق من وجهين أحدهما أن تعريف الخبر يدل على أن الأمر في غاية الظهور لأن الخبر في الأكثر يكن نكرة، لأن الإخبار في الغالب يكون إعلامًا بثبوت أمر لا معرفة للسامع به لأمر يعرفه السامع كقولنا زيد قام فإن السامع ينبغي أن يكون عارفًا بزيد ولا يعلم قيامه فيخبر به، فإذا كان الخبر أيضًا معلومًا فيكون الإخبار للتنبيه فيعرفان باللام كقولنا زيد العالم في هذه المدينة إذا كان علمه مشهورًا.
المسألة الثالثة: قوله: {مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} حال مؤكدة لكونه حقًا لأن الحق إذا كان لا خلاف بينه وبين كتب الله يكون خاليًا عن احتمال البطلان وفي قوله: {مصدقًا} تقرير لكونه وحيًا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما لم يكن قارئًا كاتبًا وأتى ببيان ما في كتب الله لا يكون ذلك إلا من الله تعالى وجواب عن سؤال الكفار وهو أنهم كانوا يقولون بأن التوراة ورد فيها كذا والإنجيل ذكر فيه كذا وكانوا يفترون من التثليث وغيره وكانوا يقولون بأن القرآن فيه خلاف ذلك فقال التوراة والإنجيل لم يبق بهما وثوق بسبب تغييركم فهذا القرآن ما ورد فيه إن كان في التوراة فهو حق وباق على ما نزل، وإن لم يكن فيه ويكون فيه خلاف فهو ليس من التوراة، فالقرآن مصدق للتوراة وفيه وجه آخر: وهو أن يقال إن هذا الوحي مصدق لما تقدم لأن الوحي لو لم يكن وجوده لكذب موسى وعيسى عليهما السلام في إنزال التوراة والإنجيل فإذا وجد الوحي ونزل على محمد صلى الله عليه وسلم علم جوازه وصدق به ما تقدم، وعلى هذا ففيه لطيفة: وهي أنه تعالى جعل القرآن مصدقًا لما مضى مع أن ما مضى أيضًا مصدق له لأن الوحي إذا نزل على واحد جاز أن ينزل على غيره وهو محمد صلى الله عليه وسلم ولم يجعل ما تقدم مصدقًا للقرآن كونه معجزة يكفي في تصديقه بأنه وحي، وأما ما تقدم فلابد معه من معجزة تصدقه.
المسألة الرابعة:
قوله: {إِنَّ الله بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ} فيه وجهان: أحدهما أنه تقرير لكونه هو الحق لأنه وحي من الله والله خبير عالم بالبواطن بصير عالم بالظواهر، فلا يكون باطلًا في وحيه لا في الباطن ولا في الظاهر وثانيهما: أن يكون جوابًا لما كانوا يقولونه إنه لم لم ينزل على رجل عظيم؟ فيقال إن الله بعباده لخبير يعلم بواطنهم وبصير يرى ظواهرهم فاختار محمدًا عليه السلام ولم يختر غيره فهو أصلح من الكل. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إِنَّ الذين يَتْلُونَ كِتَابَ الله وَأَقَامُواْ الصلاة وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً}.
هذه آية القراء العاملين العالمين الذين يقيمون الصلاة الفرض والنفل، وكذا في الإنفاق.
وقد مضى في مقدّمة الكتاب ما ينبغي أن يَتخلّق به قارىء القرآن.
{يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} قال أحمد بن يحيى: خبر أن {يرجون}.
{وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ} قيل: الزيادة الشفاعة في الآخرة.
وهذا مِثل الآية الأخرى: {رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله إلى قوله وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ} [النور: 37 38]، وقوله في آخر النساء: {فَأَمَّا الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ} [النساء: 173] وهناك بيناه.
{إِنَّهُ غَفُورٌ} للذنوب.
{شَكُورٌ} يقبل القليل من العمل الخالص، ويثيب عليه الجزيل من الثواب.
قوله تعالى: {والذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ الكتاب} يعني القرآن.
{هُوَ الحق مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} أي من الكتب.
{إِنَّ الله بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ}. اهـ.

.قال أبو السعود:

{إِنَّ الذين يَتْلُونَ كتاب الله} أي يداومُون على قراءته أو متابعةِ ما فيه حتَّى صارتْ سمةً لهم وعُنوانًا. والمرادُ بكتابِ الله تعالى القُرآنُ. وقيلَ: جنسُ كتبِ الله فيكون ثناءً على المصدِّقين من الأممِ بعد اقتصاصِ حالِ المكذِّبين منهم وليسَ بذاك فإنَّ صيغةَ المضارعِ مناديةٌ باستمرارِ مشروعيةِ تلاوتِه والعملِ بما فيه واستتباعِهما لما سيأتي من توفيةِ الأجورِ وزيادةِ الفضلِ. وحملُها على حكايةِ الحالِ الماضيةِ مع كونِه تعسُّفًا ظاهرًا ممَّا لا سيبلَ إليه كيفَ لا والمقصودُ التَّرغيبُ في دينِ الإسلامِ والعملُ بالقُرآن النَّاسخِ لما بين يديهِ من الكتبِ فالتَّعرضُ لبيانِ حقِّيتها قبل انتساخِها والإشباعُ في ذكرِ استتباعها لما ذُكر من الفوائدِ العظيمةِ مَّما يُورث الرَّغبةَ في تلاوتِها والإقبالِ على العملِ بها.
وتخصيصُ التِّلاوةِ بما لم ينسخ منها باطلٌ قطعًا لما أنَّ الباقي مشروعًا ليس إلا حكمها لكنْ لا من حيثُ أنَّه حكَّمها بل من حيثُ حكّم القرآنَ وأما تلاوتُها فبمعزلٍ من المشروعيَّةِ واستتباع الأجر بالمرَّة فتدبر {وَأَقَامُواْ الصلاة وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيةً} كيفما اتَّفق من غيرِ قصدٍ إليهما وقيل: السِّرُّ في المسنونةِ والعلانيةُ في المفروضةِ {يَرْجُونَ تجارة} تحصيلَ ثوابٍ بالطَّاعةِ وهو خبرُ إنَّ. وقوله تعالى: {لَّن تَبُورَ} أي لن تكسدَ ولن تهلكَ بالخسرانِ أصلًا صفةٌ لتجارةَ جيء بها للدِّلالةِ على أنَّها ليستْ كسائرِ التِّجاراتِ الدَّائرةِ بين الرِّبحِ والخُسرانِ لأنَّه اشتراءُ باقٍ بفانٍ. والإخبارُ برجائِهم من أكرمِ الأكرمينَ عِدَةٌ قطعيةٌ بحصولِ مرجوِّهم.
وقولُه تعالى: {لِيُوَفّيَهُمْ أُجُورَهُمْ} متعلقٌ بلَنْ تبورَ على معنى أنَّه ينتفي عنها الكسادُ وتنفُق عند الله تعالى ليوفيَهم أجورَ أعمالِهم {وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ} على ذلك من خزائنِ رحمتِه ما يشاءُ وقيل: بمضمرٍ دلَّ عليه ما عُدَّ من أفعالهم المرضيَّةِ أي فعلُوا ذلك ليوفيَهم إلخ وقيل بيرجُون على أنَّ اللام للعاقبةِ {إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} تعليلٌ لما قبلَه من التَّوفيةِ والزِّيادةِ أي غفورٌ لفرطاتِهم شكورٌ لطاعاتِهم أي مجازيهم عليها، وقيل: هُو خبرُ إنَّ الذينَ ويرجُون حالٌ من واوِ أنفقُوا.
{والذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الكتاب} وهو القرآنُ ومِن للتَّبيين أو الجنسِ ومن للتَّبعيضِ وقيل: اللَّوحَ ومِن للابتداءِ {هُوَ الحق مُصَدّقًا لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} أي أحقه مصدِّقًا لما تقدَّمه من الكتبِ السَّماويةِ حالٌ مؤكِّدة، لأنَّ حقِّيتَه تستلزمُ موافقتَه إيَّاهُ في العقائدِ وأصولِ الأحكامِ {إِنَّ الله بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ} محيطٌ ببواطنِ أمورِهم وظواهرِها فلو كانَ في أحوالِك ما ينافي النُّبوة لم يُوحِ إليك مثلُ هذا الحقَّ المعجزِ الذي هو عيارٌ على سائرِ الكتبِ. وتقديمُ الخبيرِ للتَّنبيه على أنَّ العمدةَ هي الأمورُ الرُّوحانيَّةُ. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ الذين يَتْلُونَ كتاب الله} أي يداومون على قراءته حتى صارت سمة لهم وعنوانًا كما يشعر به صيغة المضارع ووقوعه صلة واختلاف الفعلين والمراد بكتاب الله القرآن فقد قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: هذه آية القراء.
وأخرج عبد الغني بن سعيد الثقفي في تفسيره عن ابن عباس أنها نزلت في حصين بن الحرث بن عبد المطلب القرشي، ثم إن العبرة بعموم اللفظ فلذا قال السدي في التالين: هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عطاء: هم المؤمنون أي عامة وهو الأرجح ويدخل الأصحاب دخولًا أوليًا، وقيل معنى يتلون كتاب الله يتبعونه فيعملون بما فيه، وكأنه جعل يتلو من تلاه إذا تبعه أو حمل التلاوة المعروفة على العمل لأنها ليس فيها كثير نفع دونه، وقد ورد: رب قارىء للقرآن والقرآن يلعنه، ويشعر كلام بعضهم باختيار المعنى المتبادر حيث قال: إنه تعالى لما ذكر الخشية وهي عمل القلب ذكر بعدها عمل اللسان والجوارح والعبادة المالية، وجوز أن يراد بكتاب الله تعالى جنس كتبه عز وجل الصادق على التوراة والإنجيل وغيرهما فيكون ثناء على المصدقين من الأمم بعد اقتصاص حال المكذبين بقوله تعالى: {وَإِن يُكَذّبُوكَ} [فاطر: 25] الخ والمضارع لحكاية الحال الماضية، والمقصود من الثناء عليهم وبيان ما لهم حث هذه الأمة على اتباعهم وأن يفعلوا نحو ما فعلوا، والوجه الأول أوجه كما لا يخفى وعليه الجمهور.
{وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابتغاء وَجْهِ رَبّهِمْ وَأَقَامُواْ الصلاة} أي مسرين ومعلنين وفي سر وعلانية، والمراد ينفقون كيفما اتفق من غير قصد إليهما، وقيل السر في الإنفاق المسنون والعلانية في الإنفاق المفروض، وفي كون الإنفاق مما رزقوا إشارة إلى أنهم لم يسرفوا ولم يبسطوا أيديهم كل البسط، ومقام التمدح مشعر بأنهم تحروا الحلال الطيب؛ وقيل جىء بمن لذلك، والمعتزلة يخصون الرزق بالحلال وهو أنسب بإسناد الفعل إلى ضمير العظمة، ومن لا يخصه بالحلال يقول هو التعظيم والحث على الإنفاق {يَرْجُونَ} بما آتوا من الطاعات {تجارة} أي معاملة مع الله تعالى لنيل ربح الثواب على أن التجارة مجاز عما ذكر {والقرينة} حالية كما قال بعض الأجلة، وقوله تعالى: {تجارة لَّن تَبُورَ} أي لن تكسد، وقيل لن تهلك بالخسران صفة تجارة وترشيخ للمجاز، وجملة {يَرْجُونَ} الخ على ما قال الفراء.
وأبو البقاء خبر إن، وفي إخباره تعالى عنهم بذلك إشارة إلى أنهم لا يقطعون بنفاق تجارتهم بل يأتون ما آتوا من الطاعات وقلوبهم وجلة أن لا يقبل منهم، وجعل بعضهم التجارة مجازًا عن تحصيل التواب بالطاعة وأمر الترشيح على حاله وإليه ذهب أبو السعود ثم قال: والإخبار برجائهم من أكرم الأكرمين عدة قطعية بحصول مرجوهم.